هود عليه السلام 

إعداد احمد عبد الرحيم عبد المعز

 هبطت سفينة نوح عليه السلام علي الجودي ، وقد عادت الأرض نظيفة من أي أثر للكفر أو للشرك بالله تعالي،
ونزل نوح وقومه المؤمنين عليها ليعمروها ويقيموا دين الله تعالي الواحد الأحد الخالق المتفرد بالعبادة.
وظل الشيطان المتربص بذرية آدم عليه السلام ينتظر أي فرصة أخرى لإغواء البشر.
مضي جيل وراء جيل وعاد إبليس يلعب لعبته المكررة مع أحفاد نوح وقومه …

-لماذا لا تقيمون التماثيل لأجدادكم الأوائل لتخليد ذكراهم ؟

وأقيمت التماثيل ومضي هذا الجيل وجاء من بعده جيل ..

– لماذا لا تتبركون بهذه التماثيل التي تمثل أجدادكم الذين ركبوا السفينة مع نوح؟
لقد كانوا مؤمنين بالله والله يحبهم.

وهكذا سار الأمر بالتدريج …
إقامة تماثيل،
تكريم التماثيل،
تقديسها ثم عبادتها علي أنها آلهة.
،وهذا ما وصل إليه قوم عاد .
قيل إن نسب القبيلة يعود إلي جدهم ؛ عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام.
سكنوا الأحقاف، منطقة صحراوية في جنوب شبه الجزيرة العربية بين حضرموت وعمان .
كانوا قوما ضخام الجثة ، أقوياء البنيان، ليس مثلهم بشر في أحجامهم وقوتهم في زمانهم ولا من بعدهم،
اغتروا بقوتهم حتي قالوا :

” مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً “

كان قوم عاد يسكنوا خياما بالغة الضخامة تحملها أعمدة ضخمة قوية عالية جداً.
أرضهم كانت جنات وحدائق غناء ،تمطرهم السماء بغزارة فينبت زرعهم وأشجارهم وتروي حيواناتهم .
ورغم ذلك فقد كانت عقولهم مظلمة ،كانوا عبدة أوثان ..
يعبدون أصناما منحوتة من حجارة ،وكانوا لآلهتهم تلك متعصبين حتي أرسل لهم الله أخاهم نبيا لهدايتهم ، كان هذا هو نبي الله هود عليه السلام 

” وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ “

وبدأ هود دعوته لقومه ، وكعادة البشر، جرت الأمور …
الإستنكار،
ثم الشك،
ثم المساومة …
– هل تريد يا هود ملكا أو جاها أو سلطاناً أو مالاً ؟
ولكن هود كان عن كل ذلك بعيد وما كان يريد إلا هدايتهم إلي الطريق الصحيح وتبليغ رسالة ربه لهم .
رأي القوم إصرار هود علي دعوته. باللين…بالحسني ..بالمنطق …بالعقل فلجأوا لمجادلته ..
كيف تريد منا أن نترك آلهتنا التي وجدنا آبائنا لها عابدين؟!
– إن آباؤكم كانوا مخطئين .
– إن أنت إلا بشر مثلنا يا هود، تطعم وتسقي كما نفعل، فكيف نتبعك ونترك آلهتنا ؟
– ثم أنت تدعي يا هود أننا بعد أن نموت ونصير تراباً يعيدنا ربك إلي الحياة، ما هذا الذي تقول يا رجل ؟!
هل جننت ؟
إن هي إلا حياتنا الدنيا نحياها ثم نموت وينتهي الأمر بنا ترابا متطايرا في الهواء .
هيهات هيهات لما تعدنا يا هود .

” وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ .وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ .أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ .هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ.إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين”

-؛ولكن هود نبي أرسله الله لقومه ،لم ييأس أبداً وظل يدعوهم ويجادلهم ويناقشهم ويذكرهم بالآء الله عليهم .
ضاق الملأ من قوم هود به ذرعا- والملأ هم أكابر القوم وسادتهم – وبدعوته كما أقلقهم عناده وإصراره عليها ، وخشوا من ميل القلوب، وتغير الأوضاع فاتهموه بالجنون بل وظنوا أنهم يقلبون الطاولة عليه عندما أشاعو أن الآلهة قد غضبت علي هود فأصابه مس من الجنون .

“إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ”

وهكذا أعلن هود برائته إلي الله تعالي من كفرهم، وأدرك أن العذاب واقع هم لا محالة ،وبدأت أماراته بالفعل …
————–
انقطع المطر عن النزول من السماء …
جدبت الأرض ومات الزرع،
أصبحت أرضهم صحراء قاحلة،
أصابهم الجفاف والقحط.
هرع القوم إلي هود عليه يسألونه عما يحدث، أخبرهم النبي الكريم بغضب الله عليهم وعقابه لهم ،ولكنه لم ييأسهم من رحمة الله، بل طلب منهم أن يتركوا الأصنام ويعبدوا الله وحده القادر علي رفع البلاء عنهم ،فما كان منهم إلا أن سخرو منه مرة أخري وازدادو عنادا وكفرا، وتركو هود دون أن يستجيبوا له.
شعر هود عليه السلام بالألم والحزن عليهم وأدرك أن أمر الله لا راد له أبداً.
-ظلت الأمور تسوء أكثر فأكثر وبات القوم بلا قطرة ماء تروي أرضاً ولا ظمأ .
حتي جاء يوم ، نظروا إلي السماء وتهللت أساريريهم واعترتهم فرحة غامرة، لقد جاء الفرج علي هيئة سحاب عظيم يملأ السماء فوقهم ..

” فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا”

ظنوا أن السماء سوف تمطر وتعود الحياة كما كانت ولكن ما حدث أن الجو قد انقلب فجأة وتحول من الحر الشديد إلي البرد القارس، هبت الرياح… عنيفة، مريعة ،غاضبة كما لم يرها قوم هود من قبل، اقتلعت الخيام والأشجار والنباتات واطاحت بهم ، حاولوا أن يستتروا منها بأي ستر ولكنها لم تكن رياح عادية …

” ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ .تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ “

كانت الرياح تمزق كل شيء في وجهها ،بما فيه أجسادهم وتزهق أرواحهم وهم ذاهلين لما يحدث .
لم تكن مسألة ساعات ولكن …

” سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ “

سبع ليال وثمانية أيام لم تشهد الأرض مثلهم أبداً من قبل. انتهي الأمر بجبابرة قوم هود كأعجاز نخل خاوية .
ونجي الله تعالي هود ومن آمنوا معه برحمته.
وهلك القوم الكافرين.